
العمل الموافق للسنة النبوية الشريفة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد حيث إن محبة الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم عبادة لله تعالي وقربة يتقرب بها المسلم إلى ربه عز وجل، فلا بد فيها من تحقيق شروط قبول العبادة وهي الإخلاص فيها لله سبحانه وتعالى وإبتغاء وجهه، ثم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإلتزام بسنته وهديه وأن يعبد الله تعالي بما شرع لا بالأهواء والبدع، عملا بقوله تعالى ” فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ” والعمل الصالح هو العمل الموافق للسنة النبوية الشريفة والعمل الخالي من الشرك هو العمل الخالص لله سبحانه والبريء من الرياء والسمعة.
ولقد ضل في باب محبة النبي صلى الله عليه وسلم طائفتان كبيرتان من الطوائف المنتسبة للإسلام، وهما طائفة الجفاة، وقد مثلها في الماضي المعتزلة الذين قدموا عقولهم على نصوص الوحي وحاكموا سنة الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم إلى أقيستهم وأهوائهم، فما وافقها قبلوه وما خالفها ردوه، بحجة أنه خبر آحاد مع أن أغلب أحكام الشريعة إنما جاءت من طريق الآحاد، أو تأولوه وحرفوا دلالته إلى ما يوافق رأيهم ومذهبهم، وقد وصل الغلو بأحد رؤوسهم وأئمتهم عمر بن عبيد أن قال عن حديث الصادق المصدوق ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأتيه الملك فيؤمر بكتب أربع كلمات، رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد” قال لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته.
ولو سمعت عبد الله ابن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له ليس على هذا أخذت ميثاقنا ” وقد ورثت فلسفة المعتزلة ومهجها في أيامنا هذه من نعتوا أنفسهم بالحداثيين والعصرانيين والمتورين الذين بهرتهم الحضارة الغربية وعلمانيتها المتحللة من الدين والمعادية له فآلوا على أنفسهم أن يبرزوا الإسلام بصورة موافقة للفكر الغربي العلماني وإضطروا لتحقيق غرضهم أن يضعوا قواعد ويؤصلوا أصولا للتعامل مع نصوص الشرع لم تخطر ببال الأولين تسبب عنها إسقاط مئات الأحاديث المتعلقة بسير الحياة اليومية للإنسان في أكله وشربه ولبسه وتجارته وعلاقته بالآخرين بزعم أنها أحاديث خاصة بالبيئة العربية التي عاش فيها النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم.
وليس لها صفة الشمول والثبات وفهموا الإسلام على أنه جملة من القيم والمثل العليا وقوانين الحق والعدل التي يشكلها الإنسان حسب ما يتناسب مع عصره وبيئته، والآيات والأحاديث المتعلقة بالأمور التفصيلية ليست ملزمة للمسلم بل هي للإستئناس يأخذ منها المسلم ما يحقق مصلحته ويترك ما يعارضها، وهناك جفاة لا يصل جفاؤهم إلى هذا الحدّ إلا أنهم لا يتهيبون من ردّ الحديث الصحيح إذا عارض مذهبهم أو خالف توجهاتهم الفكرية متجاهلين خطورة هذا المسلك ومتناسين تحذيرات السلف من هذا التوجه من مثل قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ” من ردّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة” وقول الإمام البربهاري ” الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار أو يريد الآثار فاتهمه على الإسلام و لا تشك أنه صاحب هوى مبتدع ”
العمل الموافق للسنة النبوية الشريفة
ويقابل الجفاة الذين تقدم الحديث عنهم طوائف الغلاة وما أكثرهم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم والذين أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم تنبىء أن محبة الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم عندهم مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان تفرغ على شكل إحتفالات وقصائد وأناشيد دون أن تلزم أصحابها بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباع هديه وسنته والدفاع عن دينه وتحكيم شرعه.